بعد أيام من كشف هيئة النزاهة العراقية لعشرات الشهادات المزورة التي قدمها مرشحون لإنتخابات مجالس المحافظات العراقية الأخيرة فقد كشف النقاب اليوم عن فضيحة خطرة تتعلق بطبيب عراقي يحمل 5 شهادات مزورة ويقوم يوميًا بإجراء عشرات العمليات الجراحية بعيادة طبية يملكها في العاصمة وتدر عليه حوالى 5 ملايين دينار عراقي ( 4500 دولار) يوميًا، الأمر الذي استدعى اعتقاله والتحقيق معه لكنه اطلق موقتًا بإنتظار محاكمته. وتعتبر قضية تزوير الشهادات والوثائق الرسمية واحدة من المعضلات الصعبة التي تواجهها السلطات العراقية منذ سقوط النظام السابق وسرقة ادارات الدولة عام 2003 حيث تعرقل هذه القضية الكثير من اعمال المؤسسات الحكومية التي تهدر وقتًا ومالاً للتحقق من الوثائق والشهادات المقدمة لها. ويوجد في بغداد حاليًا سوق يطلق عليه "سوق مريدي" فيه اناس متخصصون بتزوير الوثائق والاختام الرسمية التي يصعب احيانًا اكتشاف حقيقتها.
والكشف عن فضيحة الطبيب قامت به الصحافية العراقية " أيناس طارق" ونشرت تفاصيلها على صفحات جريدة المدى " الصادرة في بغداد اليوم حيث ادعت المرض وراجعت عيادة "الدكتور مصطفى أمين الياس" بمنطقة بغداد الجديد بضواحي بغداد الشمالية وادعت بمساعدة رفيق لها تقمص دور شقيقها انها تعاني آلامًا مبرحة لتستطيع الحصول على دور لها لمقابلته من بين
150 مريضًا حجزوا مواعيد لهم معه في ذلك اليوم.
واشارت الصحافية الى ان هذا الطبيب يقوم بفحص مرضاه بالطابق الثالث من العمارة التي اتخذها مقرًا لعمله ثم يقوم بعد الظهر باجراء عمليات جراحية مختلفة في الطابق الثاني منها. ويتقاضى الطبيب المزعوم مبلغ 50 الف دينار عراقي (45 دولارًا) عن كل فحص يجريه على مريض. وتقول انها حين صعدت السلم كان هناك خمسة حراس يرتدون ملابس رياضية ويحملون أسلحة فسألها احدهم عما تعانيه فقالت انها حصى في المرارة فرد قائلا "هذه العملية بسيطة جداً ولا تستغرق سوى عشر دقائق والدكتور يجري العملية بتخدير موضعي وبكامل وعي المريض".. وعند سؤاله كيف يمكن اجراء العملية من دون تصوير قال الرجل ان الدكتور عنده خمس شهادات من المانيا وبكل التخصصات.
واكدت الصحافية ان "الدكتور" يستقبل يومياً نحو100 مريض مقابل خمسين الف دينار (45 دولارًا) للشخص الواحد وبذلك يكون مجموع أجوره 5 ملايين دينار عراقي يوميا (4500 دولار يوميًا). واشارت الى انها تحدثت مع مرضى كانوا ينتظرون دورهم لالفحص وهم يعانون مختلف الامراض ومنها الشلل والاورام السرطانية التي تحتاج لفرق طبية كبيرة لمعالجتها او اجراء عمليات جراحية لمرضاها.
واضافت ان غالبية مرضى الطبيب كانت من النساء بمختلف الاعمار والثقافات وبعد الحديث مع عدد منهن اكدن جميعهن رغبتهن في ايجاد علاج لابنائهن المرضى بعد ان تعبن من مراجعة المستشفيات الحكومية وانفاقهن مبالغ كبيرة لشراء العلاج من الصيدليات الخارجية خصوصا وان هذا الطبيب اجوره زهيدة وقد اتين اليه بعد سماعهن "عن قدراته الطبية والجسدية لشفاء المرضى".
وزارة الصحة
وتسير الصحافية الى انها حملت ما جمعته من معلومات "عن هذا الطبيب المعجزة الذي اخترق حاجز الطب بتسجيله ارقاما قياسية في عدد العمليات الجراحية اليومية التي تجاوزت في بعض الأيام مئة عملية جراحية مختلفة ومنها رفع حصى من الكلى والمرارة وازالة ورم سرطاني وعلاج الروماتيزم وأمراض القلب المختلفة كعجز القلب والجلطة القلبية وفتحة القلب والغدة السامة وكل ما يحوي الطب الجراحي من عمليات يمكن ان تخطر على بال القارئ" وهي تجرى في مدة لاتتجاوز العشر دقائق فقط.. حملتها الى وزارة الصحة حيث شكل معاون المفتش العام فيها أحمد رحيم الساعدي لجنة مراقبة ومتابعة تتولى تقصي الحقائق إضافة الى تشكيل لجنة تحقيقة تنفيذاً للأمر الوزاري المرقم (17935) في 14.12.2008 للتحقق في المخالفات الصادرة من الطبيب في عيادته الخاصة في بغداد الجديدة.
وقد ذهب الفريق التحقيقي المخول من وزارة الصحة الى عيادة الطبيب ولم يسمح لهم بلقاء الطبيب وكانت طريقة وأسلوب التعامل والتفاهم مع الفريق غير حضارية. وبعد اسبوع من ذلك تم استحصال موافقة وزير الصحة لاجراء تحقيق اداري ترافق بعد ذلك بأصدار خطاب رسمي في 31.12.2008 من قبل المحكمة الجنائية المركزية في الكرخ وتم القاء القبض على مصطفى أمين الياس وكانت نتائج التحقيق كالاتي:
مصطفى أمين الياس خريج كلية الطب جامعة الموصل عام 1988 من خلال الاطلاع على هوية تسجيله في نقابة الأطباء وأكمل فترة الإقامة الدورية بين عامي 1993-1997 وأصبح طبيبًا ممارسًا في الجراحة العامة وليس طبيب اختصاص جراحة إضافة الى فصله من المستشفى الأهلي لانه لم يقدم شهادات تخصصية في الجراحة ومنع من العمل في جميع المستشفيات الأهلية والحكومية. كما تبين ان الطبيب يعمل في عيادة خاصة في منطقة بغداد الجديدة وهي عيادة لم تتوفر فيها شروط ممارسة المهنة من اجازة اصولية او قطع دلالة واضحة او شروط صحية ويقوم بإجراء عمليات جراحية مختلفة فيها وهذا مخالف لتعليمات وشروط نقابة الاطباء.
وقال الساعدي ان الطبيب قام بتقديم وثيقة مرقمة (289) في 4102000 معنونة الى وزارة الخارجية/التصديقات وصادرة من كلية الطب جامعة البصرة، الدراسات العليا وعند التدقيق تبين عدم صحتها ومخالفة الوثيقة مع الكتاب الصادر من جامعة البصرة الذي اثبت عدم حصوله على شهادة الدبلوم العالي في الجراحة العامة وتم ترقين قيده من الدراسة لرسوبه بموجب الأمر الجامعي المرقم (369266) في 30.12.1999 وهذه الوثيقة تكفي للحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات. واضاف الساعدي انه بعد اكمال التحقيقات الإدارية سلمت المعلومات كاملة الى المحكمة التي اطلقت سراحه بكفالة مالية وعاد يزاول مهنته.
نتائج التحقيق
وقال مكتب المفتش العام بوزارة وزارة الصحة ان نتيجة التحقيق تؤكد أن الطبيب (مصطفى أمين الياس) ليس طبيباً وكان يعمل كطبيب جراح في عيادته الخاصة ويجري عمليات متنوعة فيها كما انه يعمل في مستشفى أهلي. وتبين ان الطبيب خريج كلية الطب جامعة الموصل للعام الدراسي 1988.. وانه يعمل بعقد مع وزارة الدفاع مديرية الخدمات الطبية العسكري وفي مستشفى المثنى العسكري.. كما تبين انه يعمل في مستشفى الخضراء الاهلي منطقة الكرادة خارج قرب ساحة الحرية وان الموما اليه يقوم باجراء العمليات الجراحية مثل رفع المرارة ورفع حصاة الكلية او المثانة ورفع الاكياس المائية والبواسير وانه يقوم باجراء بعض العمليات تحت اشراف الدكتور المتخصص (... ) وان مستشفى الخضراء الاهلي لم يطالب الطبيب الياس بشهادات تخصصية في الجراحة.
وازاء ذلك قررت اللجنة التحقيقية إحالة الدكتور (مصطفى امين الياس) الى المحكمة المختصة لثبوت تقديمه وثيقة مزورة تؤيد اكماله متطلبات دراسة الدبلوم العالي في الجراحة العامة/ جامعة البصرة كلية الطب/ الدراسات العليا حيث ثبت خلاف ذلك استنادا الى كتاب الجامعة نفسها بانه لم يحصل على شهادة الدبلوم العالي في الجراحة العامة وتم ترقين قيده من الدراسة لرسوبه في المحاولات الثلاث بموجب الامر الجامعي المرقم (369266) في 30.12.1999.. وكذلك الاعمام الى جميع المستشفيات الاهلية والنقابات المهنية بمنعه من العمل في القطاع الخاص لحين اصدار الحكم من المحاكم المختصة.